خطبة الجمعة .. تاريخ الكعبة المشرفة عبر العصور

تاريخ الكعبة المشرفة عبر العصور

عدنان بن عبد الله القطان

27 ذو القعدة 1444هـ – 16 يونيو 2023 م

—————————————————————–

الحمد لله رب العالمين؛ جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمناً؛ يثوبون إليه من بلدانهم لعبادة ربهم سبحانه، ويأمنون فيه على أنفسهم وأموالهم وأهلهم، ويحسون بأمن في قلوبهم لا يحسونه في غيره، نحمده على وافر نعمه، ونشكره على جزيل عطاياه؛ فله نفحات وهبات، من تعرض لها فأصابته سعد في دنياه وأخراه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ما ذُكر أحد كذكره، ولا عُظِّم مُعَظٌّم كتعظيمه، ولا أُحِبَ محبوب كحبه، ولا استحق العبودية أحد سواه (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ) ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله؛ بعثه الله تعالى رسول هدى وداعية حق؛ فبلغ الأمة دينها، وفصّل لها شريعتها، وسلك بها طريق نجاتها؛ فمن اتبعه سعد أبداً، ومن عصاه شقي أبداً؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى اتقوا الله وأطيعوه، والتزموا أمره ونهيه وقفوا عند حدوده، يقول تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ)

معاشر المسلمين: للبشر على اختلاف أجناسهم وأديانهم شعائر يعظمونها، ومعتقدات يوقنون بها، وأزمنة ينتظرونها، وأماكن يقدسونها.

وشرفت أمة الإسلام عن سائر الأمم بأنها أمة عظَّمت ما يستحق التعظيم، وقدَّست ما هو جدير بالتقديس، وهديت للمعتقد الصحيح، وجانبت ما سوى ذلك من الباطل؛ فكانت أمة معصومة من الاجتماع على الجهل أو الهوى.

والكعبة المشرفة أشرف بناء في قلب المسلم، وبقعتها أقدس البقاع عنده؛ فإليها يهوي فؤاده، وإليها تحن نفسه، وبمشاهدتها تتحرك مشاعره، ويرق قلبه، وتفيض مدامعه... إذا ذكرت الكعبة المشرفة عند المسلم اهتز القلب بالتعظيم، وتحرك بالحنين، وإذا شاهدها صغرت الدنيا في نفسه، وزهدت عينه في كل منظر سوى الكعبة… كم من دعوات رفعت حولها، وكم من عبرات سكبت أمامها.. وكم من قلوب تقطعت تريد بلوغها والتعبد عندها..

يرخص المؤمن كل شيء من الدنيا ليصل إليها… الكعبة.. وما الكعبة المعظمة؟ هي ذلكم البناء القديم، والبيت العتيق.. أول بيت وضع للناس، وأول بناء للعبادة بني على الأرض، رفع إبراهيم الخليل وابنه أسماعيل عليهما السلام بنيانه، ووضعه على أساس كان موجوداً قبله، يقول تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ) ابتناه الشيخ الكبير وابنه الشاب حتى أتماه وأحكماه يقول جل وعلا: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) فتتابعت أجيال على التعبد فيه، وطافت به أمم تلو أمم..

لا يُعلم في الأرض بناء طيف به قدر ما طيف بالكعبة، ولا تعبد عنده كما تعبد عندها، ولا يحصي ذلك إلا الله تعالى.. ولأهل الباطل أصنام وأوثان ومقدسات وأضرحة يطوفون بها، ويتعبدون لها أو حولها.. لكن الكعبة انفردت بأن التعبد فيها تعبد بحق، والطواف حولها طواف بحق، واستقبالها استقبال بحق، يقول تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) … كما امتازت الكعبة بأنها تضرب في عمق التاريخ البشري.. لم يتغير مكانها، ولم يطمر تاريخها، ولم يتخذ المؤمنون بناء غيرها، ولم يختلفوا عليها، ولم يملوا من التوجه إليها، وكل مؤامرات هدمها أو صرف الناس عنها باءت بالفشل الذريع؛ فالكعبة هي الكعبة منذ زمن الخليل إبراهيم إلى يومنا هذا، وإلى أن ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام فيطوف بها آخر الزمان كما صح ذلك الخبر عن رسول الله.. ذكر أهل التواريخ أنها انهدمت مرة فبناها العمالقة، (وهم قبائل بدوية كانت تسكن الجزيرة العربية)، وانهدمت أخرى فبنتها قبيلة جرهم، وكانت العرب تعظمها وتكسوها؛ كما أخبرت أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقَالَتْ: كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْماً تُسْتَرُ فِيهِ الكَعْبَةُ) وأشهر ما نقل في ذلك أنها احترقت أو هدمها السيل والنبي صلى الله عليه وسلم في ريعان شبابه قبل أن يبعث بالنبوة، فوهت أركانها، فهدمتها قريش بعد تردد خوفاً من العذاب، وأعادت بناءها، حَتَّى إِذَا بنوها وبلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ، أَيُّ الْقَبَائِلِ تَلِي رَفْعَهُ؟ حَتَّى كَادَ أن يقع بنهم شجار، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمْ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ عَلَيْهِ كساء مخطط، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَمَرَ سَيِّدَ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَأَعْطَاهُ نَاحِيَةَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ بيده . وقبل هذه الحادثة بخمس وثلاثين سنة ابتنى أبرهة الحبشي النصراني كنيسة وزينها وأحكمها، أراد أن يحول الناس إليها بدل الكعبة، وأمر العرب بقصدها في الحج، فلم يحجوا إليها، بل أحدث بعضهم فيها؛ لأنهم رأوا أن الكعبة بيت الله المعظم، قد توارثوا تعظيمه منذ زمن الخليل إبراهيم عليه السلام، فعظم في نفوسهم أن تزاحم الكعبة بغيرها، فسير أبرهة جيشاً عظيماً لهدمها جبنت قريش عن مواجهته ففرت في الجبال، فانتصر الله تعالى لبيته، وأهلك أبرهة وجنده، وجاء خبر ذلك في سورة الفيل. قال جل وعلا: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مّأْكُولِ).. وسار تبع اليماني إلى الكعبة يريد هدمها فهاجت عليه ريح ردته عنها حتى ثاب إلى رشده، وتاب عن قصده… لقد حفظها الله تعالى بيتاً لعبادته، وقبلة لصلاته، ومقصداً لنسكه.. (جَعَلَ اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ) وفي أول الإسلام كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم لبيت المقدس حتى نزل قول الله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) فكانت الكعبة قبلة المسلمين إلى يومنا هذا، وإلى ما شاء الله تعالى… فزادها ذلك تعظيماً وتشريفاً حين صيرها الله عز وجل قبلة للمسلمين، فيتوجهون إليها من كل أقطار الأرض كل يوم خمس مرات، عدا النوافل الأخرى وهي كثيرة… وفي صلوات الجمع والأعياد والكسوف والاستسقاء والجنائز تستقبل الكعبة، فهي تستقبل في كل صلاة سواء كانت فرضاً أم كانت نفلاً، وسواء صليت جماعة أم فرادى. وبنيت مساجد المسلمين في كل الأرض على اتجاه واحد هو اتجاه الكعبة، ومن يصلي في البنيان أو في العراء يستقبلها، وأهم سؤال يشغل المسلم إذا سافر إلى أي بلد من بلدان العالم سؤاله عن اتجاه الكعبة، فكانت الكعبة حاضرة بشكل مكثف في حياة المؤمن. والذبيحة توجه للكعبة تقرباً إلى الله تعالى بذبحها، والميت يوضع في قبره فيوجه للكعبة، وقد جاء في الحديث أنها قبلة المسلمين أحياء وأمواتاً، والداعي يستقبلها في دعائه، وفضلت الصلاة في المسجد الذي حوى الكعبة بمئة ألف صلاة عما سواه من المساجد، وينسب المسجد إليها فيقال مسجد الكعبة، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مسجده في

المدينة: (صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ) ومن تشريف الله تعالى لها أنها لا تستقبل في قضاء الحاجة مهما كان الإنسان بعيداً عنها، كما في حديث أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ: (إِذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) وما دامت هذه الأمة تعظمها فهي على خير، ولا يزول الخير عنها إلا بزوال تعظيم الكعبة من قلوبهم؛ كما  قال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ يَعْنِي الْكَعْبَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا فَإِذا ضيعوا ذَلِك هَلَكُوا… وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغرس تعظيم الكعبة، واحترام حرمتها، والحفاظ على قدسيتها في قلوب أصحابه ؛ ففي فتح مكة اشتد فرح الصحابة رضي الله عنهم بذلك الفتح العظيم في ذلك اليوم، فقال صلى الله عليه وسلم: (هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الكَعْبَةُ)

لمكةَ يشتاقُ الفؤادُ المتيَّمُ

                                 وتهفُو إليها الرُّوحُ والقلبُ والدَّمُ

ففيهَا لِداء النَّفس طِبٌّ وراحَةٌ

                                       وفيهَا لكُلِّ النَّاسِ أُنْسٌ ومَغْنَمُ

فَأَللَّهَ ما أحْلى الحيَاةَ بِبطْنِهَا

                                  وأَللَّهَ كمْ تَروي ظمأ الرُّوحِ زمْزَمُ

ولِلَّهِ قبْلَ الفجْرِ في الصحن سَاعَةٌ

                                            صَلاةٌ وتَسْبيحٌ وذِكْرٌ مُرَنَّمُ

فَإنْ تقتَربْ مِنهَا ففي القلْبِ حُبُّهَا

                                       وإِنْ تَبْتَعِد عَنهَا فَشَوْقُكَ أَعَظَمُ

اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا البَيْتَ تَشْريفاً وَتَعْظِيماً وَتَكْرِيماً وَمَهَابَةً وبراً، وَزِدْ مِن شَرَّفَهُ وكَرمَهُ مِمَّنْ حَجَّه أو اعْتَمَرَه تَشْرِيفاً، وَتَكْرِيماً، وَتَعْظِيماً، وَبِرّاً.

ووفق حجاج بيتك الحرام لأداء مناسكهم بأمن وأمان، ويسر وسهولة واطمئنان، واجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً، وردهم إلى ديارهم سالمين غانمين، وبارك في جهود العاملين في خدمتهم وخدمة الحرمين الشريفين، واجزهم عما يقومون به خير الجزاء، إنك أنت الجواد الكريم.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: ما فضلت الكعبة لجمال جدرانها، أو غلاء بابها وميزابها، أو فخامة كسوتها، فكل ذلك يوجد ما هو أفخم منه وأجمل وأعلى ثمناً، وإنما فضلت الكعبة لموضعها، فقد جعله الله تعالى مباركاً، وفضله على غيره من البقاع، وشرع فيه عبادة تخصه كالطواف به، وتقبيل الحجر الأسود؛ ولذا قال الفقهاء: (لَوْ زَالَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ إلَى مَوْضِعِ جِدَارِهَا.) والظاهر من الأحاديث أن الكعبة شرفها الله تبقى إلى آخر الزمان، ويرد الله تعالى عنها عدوان المعتدين، ويردهم على أعقابهم خاسرين، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ) ويطوف بها المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام بعد نزوله وقتله الدجال كما قال صلى الله عليه وسلم: أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ (أي أسمر) كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ (وهو الشعر إذا جاوز شحمة الأذنين) كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا، فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئاً عَلَى رَجُلَيْنِ، أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) فإذا انتهى زمن المسيح عليه السلام، وقبضه الله تعالى إليه، وفسد الناس وذهب الإيمان هدم الأحباش الكعبة، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن بعض أمور الغيب، وعما سيقع من فتن قبل قرب قيام الساعة، وهو من علامات نبوته بأن الحبشة سيهدمون الكعبة ويقلعونها حجراً حجراً ويسلبوا حليتها ويجردوها من كسوتها.   

هذه عباد الله هي الكعبة المشرفة التي ابتناها الخليل عليه السلام، وتعبد فيها وإليها عبر القرون خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى، يهدمها في آخر الزمان قوم من الحبشة!

بناها إبراهيم الخليل، وبعث فيها محمد وهما خير البشرية عليهما السلام، ويهدمها شرار من أشرار الناس عند فسادهم، وذهاب أهل الإيمان… وبين البناء والهدم تاريخ للكعبة حافل بالأحداث، مليء بسير الرسل والصحابة والعلماء والدعاة الطائفين والعاكفين في ساحات الكعبة، وأخبار العباد والصالحين والركع السجود المجاورين عندها..

هذه قبلتكم يا أمة محمد لتفاخروا بها وتحافظوا عليها، وتتوجهوا إليها بقلوبكم كما توجهت إليها أجسادكم في صلواتكم، فحققوا العبودية في أعلى درجاتها، وأسمى معانيها، وأروا الله تعالى من أنفسكم خيراً.

عباد الله: تستقبلون في الأيام المقبلة عشراً مباركة ألا وهي العشر الأوائل من ذي الحجة، فأقبلوا على ربكم بالتوبة من الذنوب، والانقطاع للعمل الصالح؛ فإنها خير أيام السنة، والعمل الصالح فيها ليس كمثله في غيرها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ، قالوا : يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ)،ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم والمسلمة في هذه العشر المباركة  الحج والصيام والصدقات  والتكبير ونحر الأضاحي والذكر والدعاء .

نسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من الموفقين لاستغلال هذه العشر المباركة في كل عمل صالح يقربنا من رضوان الله ورحمته، ونسأله أن يرزقنا تقواه حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير. اللهم تقبل منا صالح الأعمال، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وبالسعادة آجالنا وبلغنا مما يرضيك آمالنا. اللهم أدخلنا الجنة مع السابقين المقربين وارزقنا الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين. اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.. اللهم ادفع وارفع عنا الوباء والغلاء والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن، وسيء الأسقام والأمراض ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم كن للمستضعفين والمظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً. اللهم أحفظ أهلنا في فلسطين وأحفظ مقدسات المسلمين، والمسجد الأقصى، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

  

 خطبة جامع الفاتح الإسلامي- عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين